الشهيد الصائم فرحان السعدي
مناضل فلسطيني من مناضلي مجموعة المجاهد عز الدين القسام، شارك في مقاومة الانتداب والصهيونية في فلسطين. وهو من قادة ثورة 1936 .
ولد الشيخ السعدي في قرية مزار السعدية قضاء جنين، عام 1856 .
كان مزارعا، يمتلك أربعة عشر دونما من البساتين، تعلم القراءة والكتابة في جنين، ثم أكمل تعلم الفقه في عكا. إلا أنه كان مولعاً في شبابه بتلقي الدروس الدينية في المساجد، والاجتماعَ مع العلماء ورجال الدين، عمل إمام جامع في بيسان، وهناك ابتدأ نضاله ضد الاستعمار البريطاني في بداية العشرينياتـ ، ولما احتل الإنكليز فلسطين كان يُعرف بـ«الشيخ فرحان». هو حافظ للقرآن الكريم والأحاديث النبوية لذلك عرف بـ«الشيخ».
عام 1929، أسس الشيخ فرحان السعدي، مجموعة مسلحة ناضلت ضد الإنجليز في انتفاضة البراق، وقامت بعدة عمليات عسكرية، فقبض عليه الاحتلال البريطاني، وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات، قضاها في سجن عكا وسجن نور شمس، علما أن الحكم صدر بدون اي إثبات أو دليل.
كان الشيخ السعدي قائد المجموعة التي نفذت عملية 1936 هذه العملية تعتبر الشرارة الثانية، بعد الشرارة الأولى التي أطلقها الشيخ القسام، في سلسة شرارات أدت إلى اندلاع الثورة ، التي استمرت حتى نهايات العام 1939، والإضراب الفلسطيني العظيم، والذي استمر ستة أشهر .
أما أشهر المعارك التي قادها الشيخ فرحان السعدي، فهي معركة الفندقومية والتي حدثت على طريق نابلس وجنين قرب قرية فندقومية، وذلك في حزيران 1936، إذ قام الثوار بنصب كمين لقافلة عسكرية بريطانية، وقاموا بالهجوم عليها بالرصاص الغزير، وأوقعوا فيها خسائر فادحة، بحيث أن البريطانيين اتصلوا لطلب النجدة، فجاءتهم نجدة كبيرة من مدينة نابلس ومدينة حيفا، حتى تجاوز عددهم الألفي جندي، مزودين بالدبابات والمدافع وعدد من الطائرات العسكرية.
هذا العدد الكبير من الجنود لم يثن الثوار أو يرهبهم، واستمر الاشتباك لمدة ست ساعات، انسحب بعدها الثوار إلى مواقعهم في الجبال معتصمين بوعورها وكهوفها. وقتل في المعركة أكثر من ثلاثين جنديا بريطانيا، واستشهد من الثوار ثلاثة.
عادت الثورة بقوة أكبر مما كانت عليه في مرحلتها الأولى، إذ أن توصيات “لجنة بيل” بتقسيم فلسطين، وزاد الغضب في الجليل بعد أن وضعت حكومة الانتداب الجنرال أندروز صديق الصهاينة وأكبر المتحمسين لمشروعهم، حاكما للجليل معلنة بذلك أنها لن تعدل عن مشروعها المعادي ، ولذلك قام مجاهدو العصبة القسامية باغتيال أندروز في 1937، معلنين بداية المرحلة الثالثة للثورة، بعد مرحلة الهدوء النسبي بعد الإضراب .
كان للشيخ السعدي صولات وجولات ضد البريطانيين، وقد جرح في معركة عين جالوت في ذراعه، ولكنه استمر في النضال حتى نهاية المعركة، مستعملا السلاح بيد واحدة.
ومنذ مقتل ‘أندروز، بثت السلطة عيونها، تتعقب القساميين، حتى تمكنت من القبض على الشيخ فرحان وثلاثة آخرين من رفاقه. ولما كانت السلطة تعلم أن الشيخ هو العقل الأول في العصبة بعد استشهاد القسام، فقد حاكمته محاكمة صورية في ثلاث ساعات موجهة إليه تهمة مقتل ‘أندروز’، وأصدرت حكمها بعدها بالإعدام شنقاً.
رفض السعدي أن يتكلم في أثناء المحاكمة مدافعاً عن نفسه، فكان هادئاً وكانت كلماته قليلة جداً وجريئة. ف قررت الحكم ونفذته في 22 من تشرين الثاني 1937 ، وقيل في 27.
ولم تبالِ قوات العدو بكون الشيخ السجين صائماً في شهر رمضان،ونفذت الحكم به . إلا أن النتيجة جاءت على عكس ما توخته حكومة الانتداب، إذ لم يحدث في تاريخ البلاد أن أعدم شيخ في مثل عمره، وفي شهر رمضان المبارك، أدى ذلك إلى انبعاث الحماسة الجماهيرية الثورية من جديد، وقد اشتهرت حادثة إعدام السعدي إلى درجة أنها طغت على دوره الكبير، وعلى حقيقته كباعث رئيسي من بواعث الثورة، إلا أن رفاقه يعترفون له بذلك، فقد لقبه المؤرخ القسامي صبحي ياسين بـ«المجاهد الصادق»، كما ذكر بأنه «خليفة الشهيد القسام وأول من أطلق رصاصة في سنة 1936».
خاطب الشاعر الفلسطيني عبد الكريم الكرمي الأمة العربية حكامًا وشعوبًا في رثاء السعدي، قائلًا:
قوموا انظروا فرحان فوق جبينه أثر السجودِ
يمشي إلى حبل الشهادة صائمًا مشي الأسودِ
سبعون عامًا في سبيل الله والحقِِ التليدِ
خَجِلَ الشبابُ من المشيب بل السنون من العقودِ