فلسطين أم البدايات

المجاهد عز الدين القسام

 لم يسعَ لسلطة أو كرسي بقَدر ما كان يسعى إلى أن ينفذ مشروعه على أكمل وجه، وأن يؤدي رسالته في هذه الدنيا، دامَ اسمهُ متلألأ في فضاء عالَمِ الجهاد والمقاومة ، فقد تخلد اسمه من خلال كتائب الشهيد عز الدين القسام والتي أذاقت الاحتلال الويلات ، ولا تزال حتى الحظة .
إنه الشهيد المجاهد الشيخ عز الدين القساّم ، الذي ولد عام 1882 في محافظة “اللاذقية” السورية ، وترعرع داخل مساجدِ وكتاتيبِ بلدته “جبلة” متلقيًا تعليمه الابتدائي والديني هناك.
لمّا آنس منه والدُه رغبةًً في العلم أرسله إلى الأزهر في مصر، وقد قضى هناك ثماني سنوات تتلمذ فيها على يد ثلة من الشيوخ، ثم عاد بعد ذلك إلى مسقط رأسه بعد أن نال الإجازةَ العالميةَ الدّالةَ على تضلعه في العلوم الإسلامية، ثم غدا فقيهًا في كل ما جُمع من العلوم والمعارف.
بدأت مسيرة عز الدين القسّام عند اشتعال الثورة ضد الفرنسيين بسوريا حيث شارك فيها، وقد حاولت السلطة العسكرية الفرنسية شراءه وإكرامه بتوليته القضاء، فرفض ذلك، وكان جزاؤه أنْ حَكمَ عليه الديوان السوري العرفي بالإعدام.
وقاد عز الدين القسام مظاهرة أيّدت مقاومة الليبيين للاحتلال الإيطالي، وجَمع التبرّعاتِ من مالٍ وسلاحٍ لنجدة المجاهدين في طرابلس، وحكمت عليه فرنسا بالإعدام، ولاحقته إيطاليا بسبب دعمه لثورة عمر المختار.
ثم أصبح مطاردًا من الطغاة ففرّ إلى فلسطين عام 1921 ونشط القسّام بينَ أهل “حيفا” يعلمهم القراءةَ والكتابة، ويحارب الأميّةَ المتفشيةَ بينهم، وذلك في مسجد الاستقلال في الحي القديم، وهو ما أكسبه تقديرًا واحترامًا وتأييدًا.

في 1926 ترأس القسّام جمعية الشبان المسلمين، وكان يدعو للجهاد ضدّ المستعمر البريطاني، وكان يقول للناس في خطبته في جامع الاستقلال: “إن كنتم مؤمنين فلا يَقعُدنَ أحدٌ منكم بلا سلاح وجهاد”.

بدأ الشيخ القسام بتأسيس الخلايا السريّة وتدريبها وتجنيدها من أجل الكفاح، وبعد أن نال الصهاينةُُ “وعد بلفور” رأى بعض الشباب المستعجلين من أبناء تنظيمه القيام بثورة؛ في حين استحسن عز الدين التريّث، ولبث سنين يُعدّ للثورة الكبرى، حيث قام بتعليم أبناء القرى وتدريبهم على السلاح جيّدا.
في 15 تشرين الثاني 1935 أطلق الشيخ المجاهد عز الدين القسام الشرارة الأولى للثورة الفلسطينية الكبرى، وبعد أن اكتشفت القوات البريطانية أمره حاصرته في منطقة “يعبد” في جنين.
واندلعت معركةٌ غيرُ متكافئة ، قدّم فيها المجاهدون صورًا رائعة من الكفاح والنضال، وسقط الأبطال واحدًا تلو الآخر دفاعًا عن فلسطين ، وعُرف الحراك بـ” ثورة القسّام ” وأسفرعن استشهاد عز الدين القسّام في ال20 من تشرين الثاني 1935، و الذي وُجد بحوزته مصحفًا وأربعة عشر جنيهًا ومسدسًا كبيرًا.
أدى استشهاد القسام إلى إشعال فتيل الثورة الفلسطينية الكبرى سنة 1935 وإضراب الستة أشهر، والذي لم يتوقف إلا بتدخل الزعماء العرب.
وفي هذه الايام من ذكرى استشهاده السابعة والثمانين ، له و لشهداء أراضينا المحتلة الرحمة والخلود .
من (جبلة) الأحرار أقبل شيخٌُنُا
ليثاً وحلَ بأرضنا يتحفَز

من بعد ما أعيا فرنسا ثائرا
ورفاقُُه لجيوشها قد أعجزوا

ذاكم هو (القسَام) رمز جهادنا
والكون يعرف ما القوافي توجز

فغدت له (حيفا) عريناً شامخًا
وبَنُو فلسطين الجريحة عزَزوا

هذا الدليل على توحد قومِنا
صِدقُ الأخوةِ في النوائب يَبرز

إعداد وتقديم : كوثر صالح